آخر الأخبار
1

الجمعة، 26 ديسمبر 2014

فتوات ومصارعين ديوك ومضحكاتية..طرائف أصحاب مقاهي القاهرة "زمان"!


في شهر رمضان المقهى في القاهرة له مكانة خاصة، ولأن مقاهي القاهرة عالم فريد متشابك العناصر، يحوي الملامح الإنسانية العامة، وله أيضاً سماته الخاصة جداً، تجول “محيط” في أشهر مقاهي القاهرة التاريخية عبر كتاب “ملامح القاهرة في ألف سنة” الصادر عن دار نهضة مصر للكاتب والروائي الكبير جمال الغيطاني الذي يستعرض نوادر وطرائف أصحاب المقاهي وروادها أيضاً.



تاريخ المقاهي



يؤكد الغيطاني في كتابه أن المقهى كان جزءاً من الحياة القاهرية، وأن المقاهي كانت منتشرة، لكنها لم تعرف بهذا الاسم  إلا نسبة إلى القهوة التي دخلت إلى مصر عام 905 هجرياً، وفي مطلع القرن العاشر الهجري انتشرت في القاهرة الأماكن التي تقدمها وأطلق عليها المقاهي.



ويروي الغيطاني عن كتاب وصف مصر الذي أعدته الحملة الفرنسية وكان فيه جزء عن المقاهي في زمن الحملة وجاء فيه: “تضم مدينة القاهرة حوالي 1200 مقهى بخلاف مقاهي مصر القديمة وبولاق، حيث تضم مصر القديمة 50 مقهى، أما بولاق فيبلغ تعداد مقاهيها المائة”. وليست لهذه المباني أية علاقة بالمباني التي نفس الاسم في فرنسا إلا من حيث استهلاك البن على الرغم من أن هذا المشروب يعد ويشرب بطريقة مختلفة، فليس في هذه المباني أثاثات على الإطلاق، وليس ثمة مرايا أو ديكورات داخلية أو خارجية فقط ثمة منصات “دكك” خشبية تشكل نوعاً من المقاعد الدائرية بطول جدران المبنى، وكذلك بعض الحصر من سعف النخيل، أو أبطنة خشنة الذوق في المقاهي الأكثر فخامة بالإضافة إلى بنك خشبي عادي بالغ البساطة.



ومن أهم المشروبات في المقاهي الآن الشاي وهو مشروب حديث لم يدخل مصر إلا في القرن التاسع عشر، وأثناء الجلوس بأي مقهى قاهري تصل إلى الأسماع نداءات يطلقها الجرسون منادياً العامل الذي يقف وراء المنصة، يبلغه بطبات الزبائن، ولكل مشروب اسم معين، والشاي له أكثر من اسم فمثلاً: شاي بنور: أي شاي عادي في كوب زجاجي.



شاي ميزة: أي شاي مخلوط باللبن، شاي بوستة: أي شاي غير مخلوط بالسكر، إنما السكر في إناء صغير مجاور له. شاي كشري: أي توضع أوراق الشاي الجافة في مياه مغلية مع السكر.



كما تسمى القرفة “فانيليا”، والنرجيلة الصغيرة “حمِّي” والنرجية التي تحمل كمية أكبر من الدخان الخالص “عجمي”، أما الدخان المخلوط بالمعسل فينادون عيه قائلين “واحد بوري”، أو “المصري” وبالفعل هو شكل مصري خالص من التدخين.



طرائف المقاهي



يستعرض الغيطاني أشهر المقاهي في القاهرة القديمة وطرائف أصحابها، فمثلاً في نهاية شارع محمد علي أمام دار الكتب يوجد مقهى “الكتبخانة”، وكان من روادها حافظ إبراهيم، والشاعر عبدالمطلب ووالشيخ عبدالعزيز البشري، وكان من رواد المقهى أيضاً الشيخ حسن الآلاتي، وكان الشيخ يرتاد مقهى آخر بحي السيدة زينب ويطلق عليه اسم “المضحكخانة”، ويشترط لدخول مجلسه وضع رسالة في التنكيت والقفش، حتى إذا حازت عنده قبولاً ضم مقدمها إلى مجلس النادي!، وقد مع

الشيخ حسن الآلاتي كثيراً من نوادر “المضحكخانة” في كتاب طبع في نهاية القرن الماضي، ويحمل نفس الاسم “المضحكخانة”.



وخلف دار الكتب كان يوجد مقهى بلدي صاحبه عرف بهوايته لمصارعة الديوك!، وكان من رواده بعض الأثرياء الذين يشاهدون ما يقدمه من عروض.



وفي حي الحسين مقهى “الفيشاوي” الشهير وعمره الآن يتجاوز المائة عام، كان يتكون من واجهة أنيقة ودهليز طويل حوله مقاصير صغيرة صفت فيها موائد رخامية ودكك خشبية، وكانت شهيرة بالشاي الأخضر والأحمر الذي يقدم في أكواب زجاجية صغيرة، وفي شهر رمضان يكثر رواده من الفنانين والكتاب وفي أيام الشهور العادية كان للمقهى سحره الخاص، وأمامه يجلس الحاج فهمي الفيشاوي يدخن باستمرار النرجيلة التي لا تنتهي أبداً، وعلى بعد خطوات منه حصانه العربي الأصيل،

وفوقه أقفاص الحمام الذي كان مغرماً بتربيته، لقد صدر قرار بهدم المقهى بعد عام 1967، ولم يستطع الحاج فهمي أن يواصل الحياة حتى يرى نهاية مقهاه، فمات قبل أن يرتفع أول معول للهدم بأيام قليلة، ولحقه على الفور الحمام الذي كان يربيه!.



 كان من أشهر رواد المقهى الأديب نجيب محفوظ، أيضاً ع إبراهيم ارتبط بالمقهى وكان رجلاً قصيراً ضريراً يتاجر في الكتب، وكان سريع النكتة، يجلس إلى عدد كبير من الرواد،ويبادلهم هذا الشكل الفكاهي من الحوار، المعروف في مصر باسم “القافية” وكان يرد عليم كلهم ويهزمهم.



مقهى عرابي الفتوة!



على مقربة من الفيشاوي كان هناك مقهى قديم وغريب، يقع تت الأرض واسمه مقهى سي عبده، وكان دائري الشكل، يضم عدة مقصورات، تتوسطها نافورة مياه، وقد وصف نجيب محفوظ هذا المقهى في روايته”الثلاثية” حيث كان يلتقي كمال عبدالجواد بصديقه فؤاد الحمزاوي، لقد اندثر هذا المقهى تماماً ومكانه الآن بعض المباني الحديثة.



ومن المقاهي الشهيرة في القاهرة القديمة والباقية حتى الآن، مقهى عرابي الذي يقع بميدان الجيش، عند نهاية الحسنية، وعرابي صاحبه كان أحد الفتوات المشهورين في أوائل هذا القرن، وقد بلغ من سطوته أن مأمور قسم الظاهر لجأ إليه يوماً يطلب حمايته لأن أحد الأجانب هدده!.



ومن رواد مقهى عرابي نجيب محفوظ حيث يلتقي بأصدقائه اللقدامى وزملاء طفولته وفي هذه الجلسة التي تتم كل يوم خميس تلعلع ضحكات الأديب الكبير، ويبدو مرحاً سريع النكتة.



ويوجد في شارع محمد علي مقهى للمنجدين، وفي باب الشعرية مقهى لا يرتاده إلا عمال الأفران البلدية، وبجوار سينما كايرو في القاهرة مقهى يؤمه “الخرس” فقط الذين فقدوا نعمة النطق، وفي شارع محمد علي يوجد مقهى “التجارة” وهو من أقدم مقاهي القاهرة، ويزيد عمره الآن عن مائة وعشرين سنة، ولا يزال قائماً حتى اليوم، ومعظم رواده من الموسيقيين العاملين في الفرق التي يطلق عليها فرق حسب الله، وحسب الله هذا كان أحد الموسيقيين بجوقة الخديو إسماعيل، وعندما خرج من الخدمة شكل أول فرقة للموسيقى تتقدم الجنازات والأفراح.



يمكن القول أن العصر الذهبي لمقاهي القاهرة كان في النصف الأول من هذا القرن، خاصة في العشرينيات والثلاثينيات، وكانت القاهرة الجميلة الهادئة وقتئذ تزخر بالعديد من المقاهي، منها مقهى نوبار وكان مجمعاً للفنانين وكان عبده الحامولي يقضي أمسياته فيه، ومعه بعض أصحابه.



وفي ميدان الأوبرا كان يوجد مقهى السنترال، أما مقهى متاتيا فمكانه في ميدان العتبة الخضراء، وكان يؤمه جمال الدين الأفغاني، والإمام محمد عبده، وسعد زغلول وإبراهيم الهلباوي المحامي المشهور، ثم ارتاده عباس العقاد وإبراهيم المازني، والشيخ فهيم قنديل صاحب جريدة عكاظ التي تصدر في القاهرة. وفي ركن المقهى مطعم صغير للفول والطعمية كان رواد المقهى يجدون فيه حاجتهم من الطعام.



ويعلق الغيطاني بقوله: لقد ولى العصر الذهبي للمقهى ولكن هذا لا يعني تقلصها أو انحسارها، صحيح ان المقاهي التي تفتح حديثاً نادرة للغاية، كما أن محلات تقديم اللمشروبات ووجبات الطعام السريعة تنتشر الآن، ولكن لا تزال أكثر من خمسة آلاف مقهى في القاهرة تعج بالزبائن والرواد.



كل مقهى منها يمثل وحدة سياسية واقتصادية واجتماعية وإنسانية، فيه تصب كل العناصر التي يتشكل منها المجتمع، الرأي العام للناس يتشكل في المقهى، وخلال الفترات التي ينتخب فيها أعضضاء البرلمان يكون المقهى هو المكان الذي تنطلق منه وتتركز فيه الدعاية.



ويختتم الغيطاني بقوله: “يرى البعض أن المقاهي أماكن يتبدد فيها الوقت وتعطل الإنتاج، ولكنني إذ أركن إلى أحد مقاهي القاهرة القديمة، أحاول تلمس معالم هذا الزمن الرائق الحلو الذي نفتقده الآن في الضجيج والزحام، وإيقاع الحياة السريع اللاهث، إن المقهى نموذج مصغر لعالمنا يضج بكل ما تحتويه دنيانا”.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لـقهوة بلدي - كافيه شوب